مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025 يستعرض في جلسة علمية جذور التفاعل بين الفلسفة الشرقية واليونانية

ناقشت جلسة حوارية بعنوان “الفلسفة الشرقية ـ اليونانية: المنابع، والأثر، والتفاعل” ضمن أعمال مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025 – الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “الفلسفة بين الشرق والغرب: المفاهيم، والأصول، والتأثيرات المتبادلة” – مسارات التأثير المتبادل بين الفلسفتين الشرقية واليونانية، وتحولات النظر الفلسفي عبر الحضارات.
وشارك في الجلسة الأستاذ الدكتور المبروك الشيباني المنصوري والدكتور حامد الإقبالي والدكتورة بدور الفالح، فيما أدارت الحوار الدكتورة مشاعل الحماد.
واستعرضت الجلسة طبيعة المراجعات الفلسفية التي أُجريت خلال العقود الماضية حول علاقة الشرق بالغرب فكريًا، مشيرةً إلى أن الدراسات الأكاديمية أثبتت وجود عودة فلسفية معمقة إلى الفكر الشرقي عبر مراحل تاريخية مختلفة، وأن ملامح هذه العودة بدأت تتضح بجلاء منذ سبعينيات القرن الماضي مع صعود النقد الفكري بعد الحداثة، الذي دعا إلى إعادة قراءة الأسس التي بُني عليها الفكر الغربي وإخضاعها لمراجعة شاملة.
وبيّنت الجلسة أن هذا التحوّل ارتبط بفكرة أن الحقل الفلسفي الغربي لم يعد قائمًا على مركزية واحدة، وأن الحضارات والثقافات الأخرى أصبحت قادرة على المشاركة في إنتاج المعرفة، والبحث في المفاصل الحضارية والفلسفية التي أثّرت في تطوّر الفكر الإنساني. وفي هذا السياق، جرى التوقف عند أثر ابن سينا بوصفه “المعلم الثالث والشيخ الرئيس”، مستعرضةً دوره في تطوير مفهوم الوجود الذي بنى عليه فلسفته، وكيف استمد جذوره الأولى من أرسطو قبل أن يعيد صياغته في نسق جديد كان له أثر بالغ في العلوم والفلسفة.
كما تناولت الجلسة البنية الحوارية في القرآن الكريم من منظور تداولي فلسفي، مؤكدة أن الحوار يُعد مدخلًا تأسيسيًا للتفكير؛ فالفهم لا يتحقق إلا عبر الكلام، ولا يمكن قراءة العالم دون ممارسة الحوار بوصفه فعلًا معرفيًا وأخلاقيًا في آن واحد. وأوضح الطرح أن الحوارات القرآنية تمثل نماذج متقدمة في بناء الأسئلة، والأسس الأخلاقية، والمنطق الحجاجي، ما يجعلها مرجعًا مهمًا في فهم مقاصد التواصل الإنساني. وتطرقت الجلسة إلى أنماط الحوار النبوي، والحوار الأبوي، والحوار القيادي، وطرائقها في بناء المعنى وترسيخ قيم الاحترام والمنطق.
كما أشارت الجلسة إلى نظرية الفعل التواصلي التي تقوم على مبدأ توافق فرص الحديث وغياب الإكراه، والاحتكام إلى قوة الحجة لا إلى مكانة المتحدث، إضافة إلى مبدأ العدالة الأخلاقية عند أرسطو، الذي يقوم على عدم إصدار الأحكام قبل اكتمال الصورة. وناقشت كذلك نظرية التأدّب بوصفها إطارًا معرفيًا وأخلاقيًا يقوم على الاحترام، ويمنح الحوار طابعه الإنساني الرفيع.
واختُتمت الجلسة بالتأكيد على أن التلاقح الفلسفي بين الشرق والغرب، عبر التاريخ، لم يكن حركة أحادية الاتجاه، بل مسارًا مستمرًا من التأثير والتفاعل، وأن الفلسفة — في جوهرها — تبقى سعيًا مشتركًا نحو الحقيقة وتوسيعًا لأفق الإنسان في فهم ذاته وعالمه.



